كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس؟

21 مايو، 2022 | هواجس في طقس الوطن | 0 تعليقات

اِصعد يا حبّةَ قلبي، اصعدْ
اِصعد كي تنفض عن عينيك غبارهما فترى..
وتماسكْ إنْ كنتَ ضعيفاً، ساقُك تسنُد ساقَكَ، وذراعاك
تمدّانك بالعزم، ووجهُك ينضحُ بالماء إذا ما أصبح بين الماء
وبينك قافلةُ من نوق.
وتماسَكْ حين ترى..
سترى ما لا عينٌ نَظَرتْ، ما لا أُذنٌ سَمِعت
ما لم يُوصفْ في الكتب المنسوخة عن عاشرِ جدّ..
سترى ناساً يقتتلون على ماءٍ..
وأناساً يقتتلون على طرقٍ تفضي بالناس إلى كرسيّ وزبرجدْ
سترى خيلاً ليس لها أعناقٌ، وسيوفاً ليس لها أغمادٌ، ودماً
ينثال ليشرب منه المرضى والمقهورون وأصحاب الفاقِة
والموهوبون.
عطايا الربّ..
كل الناس عِطاش
فاصْعَدْ يا حَبَّة قلبي، اصعدْ
وتَوسَّدْ صوتي حين أناديك لتصْعَدْ
اخترتُكَ أنتْ
لست الظاهرَ بينهمو ولستَ السافر
اِصعد كي تفتح عينيك على الصالحِ والطالحِ
والفالحِ
والكالحِ والفارحِ
والتارح والجارح والمجروح
كلُّ الأرض جروحْ

أُنظر..
هذا بلدٌ يتقاسَمُهُ الباعة، تجّارُ الليل، وهذا بلدٌ
يحلّق فوق يَدَيهِ الصَّاغةُ، هذا وطنٌ يتقاسمه البرصٌ علانيةً فاصعدْ
هذي الشمسُ تُناديك وقد خُبَّتْ حمراءَ شواظٍ فتوطأ معها..
مُدَّ يديك لها أغمض عينيك وقلْ
يا أيّتها الشمسُ خذيني، ابن الصحراء أنا، آتٍ منها
بي جّدْبٌ
وعليَّ قماشٌ من سندس أخضرُ بارق
هَمَستْ في أذني الصحرا وأنا في المهد بأنَّ الشمسّ ستمنحني
يومًا نافذة كي أصعدَ، أنفض عن عينيَّ غبارَهما فارى الطاووسَ يتيهُ على الإِنسان ويختال
وأرى الكابوسَ يُكمّمُ أفواهَ الناس على حُلمٍ منهم، وأرى الماشين على أوجههم في السوق مناديلُ كآبة..
وأرى في الحَبْس مَظاليم وأرى ظُلاّمَهُمو، وارى خيطًا
لا أسودَ، لا أبيضَ فأصوم.
الملأُ عِطاشٌ
هذا اليومُ طويلٌ
والأرض سعيرٌ
والناسُ، الناسُ انحدروا في دارٍ مُظلمةٍ لا أبواب لها صمّاء،
والناسُ، الناسُ انكسروا في الصدق.
رماديًّا كان الحرفُ، اللغةُ، الميزانُ، الإِنسانُ، الطائرُ والتاجرُ والصاغةُ والنسوة إذ يتوالَدْنَ وما ينجبن رماديُّ الوجِه، الساحلُ والقاحلُ من يفتي في أودية متشاجرة، مَنْ يمشي، مَنْ يتبخْتَرُ، والموتُ رماديٌّ فاصعدْ
اَصْعَد يا حبّةَ قلبي، اِصْعَدْ
أنت المدعوُّ: سليل الصحراءِ، المتوارث مجد الضرب علانيةً في غاربها
بدوٌ في بَدَنِكَ يَبْتَردون عطاشى، ورعاةُ الأرض على ظهرك يَرْعَوْنْ. ملحٌ في كفّيك، تطوفُ وتنظر في الأرض على غيمٍ مقتعدًا بين الموتى
أنت الباطنُ والصَّاعدُ في الأبيض،
والنازلُ في الرمل، المرتحلُ على زلزلة في القلب، المتدثّر بالرغباتِ الأولى: أن تعرف
وترى وتشكّ
هذا الشكُّ يقينْ
حُلمٌ أم علمٌ أم هذيانُ مريضْ؟
الأرض تدور
هذا الفلكُ القائمُ يوغل في الظَّلْماءِ ولكنّي أنسجُ في بدني امرأةً تتحوّل في الصبح إلى كوكب عشب. أخضر رَطْب.
فأرى
وأشكّ
ثم أحطّ يديَّ على وجهي
يغشاني النورُ
فأسأل: أين أنا؟
أتكاشف والشمسْ
فأرى خيلًا تتظاهَر في ناصيةِ الشمس، تمدُّ قوائمها
والقهر يؤجّج في دمها حمحمةَ الأيّام الأولى
أضحت في المضمار مراهنةً ونقودْ.
أتكاشف والشمس
لم يبق سوى مرمى حجرٍ وأصلْ
أبراجٌ وسفائن
لهبٌ منحدرٌ مثل الماء، دخانٌ أبيضُ مثل الثَّلج – الغيم، أطفالٌ قتلوا في آخر حربٍ، فتياتٌ بثياب الدرس يَحْمْنَ ويسَّاقطن على زبدٍ من غدرْ.
اِصعد يا حبّةَ قلبي، اصعد
ستلاقي رهطًا يسترقون السمع على درجات الكون، فحادثْهم..
اسمع ما يعطيكَ مفاتيحَ الأشياء وما يَمْنَحُ ساقَك في الريح مدى ويديك نهارْ.
هذي آخرُ عتبات الكونْ الكاملْ
أنت الآن على لهبٍ منها فادخل
وتيمّمْ بالنّار وصلّ
تأمّل ما حولكَ
زواجْ بين الرمل وبينَكَ، بَيْن النارِ وبينَك، بينَ الماءِ وبينَكَ وادخلْ في جدل الأشياء
أنت الآن ترى
أنت الآنَ
ترى.

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *